المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موعد مع الموت


سليمان منذر الأسعد
04/05/2008, 11:04 AM
جريدة (شمس)


أصحو على فزعٍ كأنَّ يداً من المجهولِ
توقظني لأسمع:
(تلك ليلتُـكَ الأخيرةُ فانتبهْ!).
من فتحة الشباكِ
أرقب خطوةَ الشمسِ الوئيدةَ نحو خاتمة النهارِ
يداي مثقلتان بالأمطارِ
والبَرَدِ المسافر من بياض العمرِ
صوب المستحيلِ/الآنَ
ذاكرتي تلملم ما تبعثر من تفاصيل المساءِ
أحسُّ أن نهايتي اقتربتْ
وأن الموت يرصدُ جلستي,
كان السريرُ مضمّخاً بالشِّعرِ
لكني شعرت بزمهرير الموتِ في الأطرافِ,
كان الموج مرتفعاً
كأنّ الغرفة اتسعت لتسكنها خطايا العمرِ
أو ضاقتْ لتختنق الرؤى بغبار مشيتها,
على عجلٍ خرجتُ
ولم أكن ألوي على قلقٍ
وكان الموت متكئاً على سور الحديقةِ
يقرأ الصحف القديمةَ,
كانت الأشجارُ موحشةً
كأنّ مدينتي سقطتْ بأيدي الفاتحينَ
ولم أجدْ سبباً يفسِّـرُ للمشاةِ كآبتي,
فتبعتُ موتي
-لم أعد طفلاً لأبتدع الحكايةَ-
هزّني شغفٌ إلى المجهولِ
أعدو نحو قارعة الطريقِ
لعلّ بارقةً من النسيان ترفو حزن أمسيتي
لعل صديقةً لمستْ مواضعَ قبلتي
فتذكَّـرتْـني ثم عرّج طيفُها
ليقشِّر الأحزانَ عن وجهي الكئيبِ
تعبتُ من سيري إلى اللاشيءِ
موتي لا يزال على مسافةِ طعنةٍ مني..
لم يكن قربي سوى مقهى
دخلتُ على مفاصل دهشتي
وجلستُ منكفئاً على ظلي الغريبِ
أكفكفُ الأمطار عن صدري
ذويتُ كشمعةٍ عطشى على الكرسيِّ
- منقاداً إلى صوت القصيدةِ -
بين موتي وانتظاري,
أستدرُّ الدمعَ من جفن الشرابِ
وأحتسي وجعَ الخطيئةِ
ليتني أدركتُ قبل الآن عمر خطيئتي
لا وقت للتكفير عن متع الحياةِ
لأحتفي بسكينة الغفرانِ
في سكرات موتي.
* * *
لم أكن رجلاً خرافياً لأبصر ما يراه الخارقونَ
على أسرّة موتهم
لكنني أبصرتُ في الأفق البعيدِ
غمامتين حزينتين تكلّلان جنازتي
كفني يحاك على مقاس مشيئتي
وسمعت صوت حمامة بيضاء تهدلُ:
(يا غريبُ أنا الغريبة مثل عينيكَ
احْتضنّي..).
ورأيت, من خلل الدخانِ
مشاهداً تنثالُ كالصور القديمة في رؤى بوذا:
معلّقة هوت من ناقة الأعشى
يؤوِّلها الرواة على طريقتهم,
رأيت خرافة سقطت من التلمودِ
والتقط الطغاةُ حروفها
ورأيت آياتٍ من القرآنِ
بلَّـلها بكاء الأنبياء.
* * *
ينتابني الهذيان من فرط التلعثمِ
حين يسألني جليسي:
- (دُلّني: من أنتَ؟ يا قمراً يراود نجمة عن نفسها)
- (أنا صرخة الإنسان حين يرى البدايةَ تنتهي
من قبل أن تجد الحكايةُ راوياً ليقصها)
- (ستموتُ؟!)
- ( .. في مدنٍ سترسمني على الجدرانِ
إنساناً أحب وما انتصرْ).
* * *
موتي يفتّش عن مكان لائقٍ
ليهيل حفنته الأخيرةَ في دمي.
وهممتُ أن أتلو الوصيةَ,
خانني سحرُ الكناية فازدريتُ بلاغتي
وتركتُ موتي يكتب الحرف الأخيرْ

ليلى العيسى
04/05/2008, 03:31 PM
وكان الموت متكئاً على سور الحديقةِ
يقرأ الصحف القديمةَ,
على أيّ بلاغةٍ اتكأتْ لُغتكْ يا سليمانْ
و كأنكَ تجعلُ للموتِ عيدْ
عيدهُ هو الموعدُ بِكْ
فدونتهُ القصيدة .. و تركته يكتب حرفكَ الأخيرْ
هذه القصيدة تتصببُ رَوعة،

سأتكئُ على جدرايّة انتظارْ
لِمَا بعد موعدِ الموتْ!

سليم زيدان
05/05/2008, 04:13 AM
أستاذ سليمان

جدارية أخرى تفتك بنحل دمي ...



لغة تستحق الوقوف كثيرا .


أيقظت الدرويش القلق دوماً .

شكرا لك

سودة الكنوي
05/05/2008, 07:10 AM
الأسعد..

لغة رفيعة المستوى صاغت سرداً
كأنه السهل الممتنع يوشيه الجمال
و يكتنفه الغموض
حلة أدبية ثمينة مطرزة بخيوط
فلسفة نسجتها رؤى الأيام..

سأعود لقراءة أكثر تفحصاً
بحول الله..


:rose:
إملاءات المطر

سليمان منذر الأسعد
05/05/2008, 09:29 PM
بياض
العيدُ مرورك الخفيف على حروف قاصرة عن مواكبة جملتك


سليم زيدان
كلانا مبتلىً بهواجس درويش ونزقه! فلنكن شركاء في شَطَطِه!

سودة الكنوي
عودي إلى النص ثانيةً لا لأنه يستحق، بل ليحتفي بوقوفكِ على خلله..

أحمد العتيبي
05/05/2008, 10:05 PM
في حضرة القصيدة ما من شيء يولد أو يموت
حيث يحتاج الموت وقتًا أطول

سليمان منذر الأسعد
لا فضفض الله فوك .

مياسم
06/05/2008, 02:10 AM
هيَ المَوَاعيدُ التي لا يُؤجلّهَا ظَرْفٌ .. وَ لا صَاحبْ ..
هيَ اللغَة تُنادي على أهلِها .. : لِيرَوهَا في سدَنهَا الجدِيدْ .. !
هيَ العُشبُ .. وَ المَاءْ .. وَ الزّفراتُ الأخيرَة .. !
..
..
كما اعتدتُ منكَ بياناً .. ها أنتَ ترفُلُ في الأبجديّة ..
عمَارٌ حرفُكَ يا سُليمانْ .. :coco:

ريما
06/05/2008, 03:51 AM
سليمان..
كلماتك غيمة حبلى بالجمال
أرتوينا حينما سقتنا مزنك بيد أن ظمئنا للمزيد منك
شكرا لك , أن قرأناك
وأتمنى أن تكون مواعيدك القادمة مع الحياة:coco:

سليمان منذر الأسعد
06/05/2008, 08:48 PM
أحمد العتيبي.. مياسم.. ريما متعب

أطلوا من عليائكم باستمرار لتنبت الخضرةُ من حفيف خطوتكم

سودة الكنوي
07/05/2008, 01:53 AM
سودة الكنوي
عودي إلى النص ثانيةً لا لأنه يستحق، بل ليحتفي بوقوفكِ على خلله..

عدتُ إلى النص ليس للوقوف على خلله بل لتأمل الصور الجميلة في طياته

و لكن:




و رأيت, من خلل الدخانِ
مشاهداً تنثالُ كالصور القديمة في رؤى بوذا:
معلّقة هوت من ناقة الأعشى
يؤوِّلها الرواة على طريقتهم,
رأيت خرافة سقطت من التلمودِ
والتقط الطغاةُ حروفها
* * *


ترى ما حاجة المحشرج الذي يعاني
سكرات الموت لاستحضار تلك الأمور المهترئة؟
و هو بين يدي الله في أشد المواقف حرجاً؟


سعدنا بنصك

مزيداً من عجائب الكلم..

أحمد الـ سعد
22/05/2008, 04:13 AM
.

- سأعترف بأني سارق
- نعم سارق يا سليمان وأنت السبب
- أسرق نصوصك لأضعها في مكتبتي الخاصة وعندما أشعر بأن اللغة بدأت تموت في داخلي أهديها قبلة الحياة بكلماتك



- أقسم برب السماء بأنك راقي راقي راقي راقي


.

سليمان منذر الأسعد
25/05/2008, 11:44 AM
أحمد السعد
الرقي هو تهذيبك
كم ستبتهج كلماتي المتواضعة حين تنفث نسيم روحك على ظلالها...

عبد العزيز الجرّاح
01/06/2008, 10:00 AM
هو موعدٌ مع السعد
يا أسعد.
مع اللغة العاليةُ .. فكرًا ومفردة.

شكرًا أن أهديتنا أبجديتك المدهشة.

تحية؛
لا تليق إلا بك.

ج ـنة الروح
01/06/2008, 01:37 PM
يا الله

لم أكن رجلاً خرافياً لأبصر ما يراه الخارقونَ
على أسرّة موتهم
لكنني أبصرتُ في الأفق البعيدِ
غمامتين حزينتين تكلّلان جنازتي
كفني يحاك على مقاس مشيئتي
وسمعت صوت حمامة بيضاء تهدلُ:
(يا غريبُ أنا الغريبة مثل عينيكَ
احْتضنّي..).

بالله عليك كيف تكتب ..؟
كيف يخرج الحرف من بين يديك هكذا ؟
أقسم لك إشتقت هكذا بوح ..
كأننى أحتضن أبيات نزار وقهوتى ترقص على شفاه المتعة
لا شىء يدخل بى إلى عالم الدهشه سوى نزار وقهوتى فى المساء ..
أصبحت أنت ثالثهم ..

كل الكلمات التى تحضرنى الآن
فاشلة .. باهتة
لا تُشبع رغبتى فى الكتابة عن فخامة نصك

:flower2: كل المنى لقلبك بدوام حبره